الأعذار التي تبيح ترك الصلاة في الجماعة هي على النحو الآتي
الكاتب :د. سعيد القحطاني
* الخوف أو المرض؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر“([1]).
* المطر، أو الدحض([2])؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: ”إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا، فقال: فعله من هو خير مني...“([3]).
* الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما- أنه أذَّن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في رحالكم([4]) ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، يقول: ”ألا صلوا في الرحال“ وفي لفظ للبخاري: ”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذناً يؤذن، ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في الرحال" في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر“ وفي لفظ لمسلم: "أن ابن عمر نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"([5]).
وعن جابر – رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: ”ليصلِّ من شاء منكم في رحله“([6]) والأفضل أن يأتي بألفاظ الأذان كاملة ثم يقول: ”صلوا في بيوتكم“. أو يقول: ”صلوا في رحالكم“([7]).
* حضور الطعام ونفسه تتوق إليه؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة“([8])؛ ولحديث عائشة – رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء“([9]).
* مدافعة الأخبثين [البول والغائط]؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان“([10]).
* يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما- أنه ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – وكان بدريّاً- مرض في يوم جمعة فركب إليه بعد أن تعالى النهار، واقتربت الجمعة وترك الجمعة([11]).
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه- قال: "من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ"([12]).
فظهر أنه يتعذر بترك الجماعة بثمانية أشياء:
المرض، والخوف على النفس، أو المال، أو العرض، والمطر، والدحض [الوحل]، والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة، وحضور الطعام والنفس تتوق إليه، ومدافعة الأخبثين أو أحدهما، وأن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره. وتقدمت الأدلة على كل مسألة من هذه الأشياء([13]).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
........
من كتاب صلاة المؤمن للشيخ سعيد القحطاني
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ابن ماجه، برقم 793، وأبو داود، برقم 551، وصححه الألباني في الإرواء، 2/327، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.
([2]) الدحض: الزلق. فتح الباري لابن حجر، 1/384.
([3]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر، برقم 901، وسبق في كتاب الأذان، باب الكلام في الأذان برقم 616، وفي باب هل يصلي الإمام بمن حضر، برقم 668، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال، برقم 699.
([4]) الرحل: المنزل وسكن الرجل وما فيه من أثاثه. فتح الباري لابن حجر، 1/98، ونيل الأوطار، 2/387.
([5]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين، برقم 632، وباب الرخصة في المطر، والعلة أن يصلي في رحله، برقم 666، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال، برقم 699.
([6]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر، برقم 698.
([7]) قال الإمام القرطبي رحمه الله عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "ظاهر قوله: "في آخر ندائه" أنه قال ذلك بعد فراغه من الأذان، ويحتمل أن يكون في آخره قبل الفراغ، ويكون هذا مثل حديث ابن عباس". ثم قال: "هذه الحديث قد رواه أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة، قال فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة، أمر المؤذن فأذن بالأذان الأول، فإذا فرغ نادى: الصلاة في الرحال أو في رحالكم". [رواه ابن عدي في الكامل، 6/2263] وهذا نص يرفع ذلك الاحتمال. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/338] وقال الإمام النووي رحمه الله: "... في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه يقول: "ألا صلوا في رحالكم" في نفس الأذان، وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه، والأمران جائزان نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم في كتاب الأذان، وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه؛ لثبوت السنة فيهما، لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- ولا منافاة بينه وبين الحديث الأول –حديث ابن عمر رضي الله عنهما-؛ لأن هذا جرى في وقت وذاك في وقت وكلاهما صحيح"، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/214.
وقال الحافظ ابن حجر على قوله: "إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة: وبوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري "حذف حي على الصلاة في يوم المطر" وكأنه نظر إلى المعنى؛ لأن حي على الصلاة، والصلاة في الرحال، وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك، وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان، وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين، والذي يقتضيه الحديث ما تقدم" [فتح الباري، 2/98]، وقال الحافظ في موضع آخر في كلامه على حديث عبد الله بن عمر: "كان يأمر المؤذن يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال": "..صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان" ثم قال عن اجتماع كلمة صلوا في الرحال وكلمة حي على الصلاة: "وقد قدمنا في باب الكلام في الأذان، عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره، وأن ذلك يقال: بدلاً من الحيعلة، نظراً إلى المعنى؛ لأن معنى "حي على الصلاة" هلموا إليها، ومعنى: "الصلاة في الرحال" تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معاً، لأن أحدهما نقيض الآخر، ويمكن أن يجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفريضة ولو تحمل المشقة، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال: "ليصلِّ من شاء منكم في رحله" [مسلم برقم 698] فتح الباري، 2/113، وقال الحافظ أيضاً في موضع آخر على حديث ابن عباس: "والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان، وإنما أبدل قوله: "حي على الصلاة" بقوله: "صلوا في بيوتكم" الفتح، 2/384، وانظر المغني لابن قدامة، 2/378-379، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/386.
وأقرب الأقوال قول النووي رحمه الله تعالى، وقد سمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 616، يقول: "الأفضل أن يكمل الأذان ثم يقول بعده صلوا في بيوتكم". وقال على الحديث رقم 666: "يقول ذلك بعد الأذان" وقال على الحديث رقم 668: "المعروف أنه قاله بعد الأذان".
([8]) متفق عليه: البخاري، برقم 674، ومسلم، برقم 559، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
([9]) متفق عليه: البخاري برقم 671، ومسلم، برقم 558، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
([10]) مسلم برقم 560، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
([11]) البخاري، كتاب المغازي، باب: حدثني عبد الله بن محمد، برقم 3990.
([12]) البخاري، كتاب الأذان، بابٌ: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، قبل الحديث رقم 671، وقال ابن حجر في فتح الباري: "وصله ابن المبارك في كتاب الزهد" [رقم 1142] وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب قدر الصلاة.
([13]) انظر: المغني لابن قدامة، 2/276-380، والكافي لابن قدامة، 1/398-401
أخي الكريم
ان كل ما تقدمه المجموعة من الرسائل المفيدة هي لأعانتك علي فعل الخير والله نسأل التوفيق
ولاتنسانا من صالح الدعاء في جوف الليل تقبل الله منك ومن سائر المسلمين وغفر لنا جميعا